Telegram Group Search
📹 الشيخ بهجت رضوان الله تعالى عليه يوضح كيفيّة التقرّب من الله تعالى وأقرب الطرق إليه قائلاً:

"فليطلبوا من الله تعالى أن يوفّقنا في كلّ آن ومكان أن يكون رضا الله تعالى نصب أعيننا فقط، حيث نتحرّك بمشيئته ونسكن بمشيئته، لا ينبغي أن نغفل عن ذلك ولو للحظة واحدة!

جميع الشعائر الدينيّة من أوّلها لآخرها تصبّ في العبوديّة لله، وللعبودية مراتب، بحيث يُقال للعباد: من كانت عبادته أكثر شبهاً بعبادة الأنبياء والأوصياء وإمام الزمان (عج)، كان أقرب لتحقيق هدفه، كلما كنّا أقرب من الثقلين (القرآن والعترة) نكون أقرب إلى الله تعالى"
◾️العنوان: "المشارطة" و "المراقبة"
◾️المصدر: كتاب "الأخلاق الإلهية" ج 1 للشيخ مجتبى الطهراني (رض)

قد وضع علماء الأخلاق، باستنطاقهم الروايات، أربع مراحل لحراسة النّفس من اعتداءات الشيطان، وحفظها ممّا يجلبه عليها من الفساد:

1️⃣ المشارطة: وهو أنّ يطّلع المرء على أهميّة الموضوع، ويُعاهد نفسه على حراستها في مواجهة الشيطان.

فكما يعمل زعيم البلد إلى تنبيه قادة جنده، في اجتماع خال من الأجانب، إلى قضايا حسّاسة، من قبيل: خطر العدو، وسُبل نفوذه، وتبعات وهن العسكر وإهمالهم.

يتوجّب على الإنسان يوميّاً، للحظات بعد صلاة الصبح، أن يتفرّغ من كلّ شاغل ليُحذّر نفسَه من خطر الشيطان، وعواقب عدم الاكتراث به، فيُنبّه نفسَه إلى أنّ هجمات هذا العدوّ لا يُمكن تعويض خسائرها أحياناً، ويُذكّرها بثغور نفوذه، وهي فكرُه وأعضاؤه، ويُعاهدها على المرابطة فيها وحراستها.

2️⃣ المراقبة: وبعد المشارطة يأتي دور مراقبة النّفس، لئلا تغدُر، أو تجنح إلى القصور أو التقصير.

والمراقبة هي حصيلة شكل من أشكال المعرفة، وهي مصدرٌ لظهور أعمالٍ ما.

فمعرفة أنّ الله جلّ وعلا يرى أعمالنا ومطّلعٌ على سرائرنا تقود المرء إلى أخذ حضور الله عزّ وجلّ بجديّة أكبر، وتجعل الاستحياء يسود وجوده، فلا يُقْدِم على عمل ما لم يتثبّت من عواقبه، ويطمئن من خلوص نيّته فيه.

ويظلّ المرء حال المراقبة، مراقباً عمله، من لحظة عقده العزم قلباً على إتيانه حتّى ينتهي منه، بل وبعد ذلك أيضاً، فيراقب نفسه قبل العمل احتراساً من عدم إلهيّة نيّته، فإن علم بأنّه ليس لوجه الله تركه.

ويُراقب نفسه في أثنائه، لئلا يُقصّر في أداء حقّ الله فيه، ولا يُفرّط بنيّته الخالصة في غضون أدائه، ولينجزه بأتمّ صورة ممكنة، ثم يُراقبها بعدها حذراً من إضاعة العمل بالرياء والسُمعة.

ففي الخبر أنّه "يُنشَرُ للعبدِ في كلّ حركةٍ من حركاته، وإنْ صغُرَتْ، ثلاثة دواوين: الدّيوان الأوّل لِمَ؟ والثاني كيف؟ والثالث لِمَن؟"

⚠️ يُتبع ان شاء الله تعالى
◾️العنوان: محاسبة النفس
◾️المصدر: كتاب "الأخلاق الإلهية" ج 1 للشيخ مجتبى الطهراني (رض)

3️⃣ المحاسبة: وبعد المراقبة طيلة النهار يأتي دور المحاسبة، فكما يحتاج المرء في الصباح إلى فرصة يوصي فيها نفسَه بالاستقامة والأمانة في عمله، فإنّه يتطلّب في المساء فسحة يدرس فيها أعمال يومه

ليشكر الله عزّ وجلّ فيما إذا كان قد التزم -طيلة ساعات النهار- بشروط عبوديّته وأحْسَنَ المرابطة في ثغور نفسه، أو يُبادر إلى تدارك الأمر بالتوبة والاستغفار فيما لو وهَنَ وقصّر، وتمكّن الشيطان من التطاول على روحه، فاقترف ذنباً، أو ترك واجباً، أو أنقص تكليفاً أثناء أدائه.

وقد روي عن النبيّ الأعظم (ص) أنّه قال: وَعَلَى اَلْعَاقِلِ -مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً- أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ"

والمحاسبة هي سُنّة أئمة ديننا (ع)، فهذا الإمام الكاظم (ع) يُروى عنه قوله: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ عَمِلَ حَسَناً اِسْتَزَادَ اَللَّهَ، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئاً اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ مِنْهُ وَتَابَ إِلَيْهِ"

وفائدة المحاسبة هي وقوف الإنسان على نقائصه وخسائره، والسعي في تداركها في الدّنيا، ليُخفّف عنه حساب يوم القيامة.

وإنّنا لا نخرج بهذه النتيجة إلّا إذا توخينا الدقّة والفطنة في محاسبة أنفسنا، لأنّ النفس شديدة المكر، وإنّ تسامحاً طفيفاً معها كافٍ لأن يجعلها تقلب الحقائق، فتُلبس الباطل لباس الحق، وتُظهر الحقّ بمظهر الباطل، فتُذهب بذلك كلّ الجهود والمساعي أدراج الرياح.

فعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "... فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ"

ولذا لا بدّ من مطالبة النفس بالجواب السليم على كلّ قول قيل خلال ساعات النهار، ومن ثمّ سؤالها عن نظرات العين، وخواطر الذهن والأفكار، أو عن القيام والقعود، والطعام النوم، بل وعن السكوت والسبب من ورائه، والسكون وعلّة عدم التحرّك، وعن الحنوّ والحقد، والعطاء والبخل، والبيع والشراء، وكلّ صفقة أنشئت أثناء النهار

فتُحاسب على كلّ ذلك، ليُعلم مقدار ما أدّت -في كلّ باب- ما عليها من واجب، وما بقي في ذمّتها منه، فإذا انتهى الانسان من المحاسبة فليقبل بما أحسن إنجازه، وليُسجّل الباقي في خانة القصور والتقصير.
◾️العنوان: ملامة النفس ومعاقبتها
◾️المصدر: كتاب "الأخلاق الإلهية" ج 1 للشيخ مجتبى الطهراني (رض)

4️⃣ الملامة والمعاقبة: وإنْ اتّضح -بعد انتهاء عملية المحاسبة- أنّ الانسان قد اقترف خطيئة، أو أهمل شرطاً من شروط العبودية، فلا ينبغي له أن يترك نفسه، لأنّ النفس تأمر بالسوء وتهفو إليه

وهي إن تُركت وشأنها تأخذ بأسباب الذنب بسهولة، وتتعوّد عليه، ويشقّ عليها الإقلاع عنه، وتتمادى إلى حدّ الهلاك.

وعليه، فلا بدّ من توبيخها ولومها على تقصيراتها، وطريقة لوم النفس هي أن تكشف لها عيوبها ونقائصها، لترى بوضوح أيّ كائن وضيع هي.

ثمّ ذكّرها بخطورة ما تبلغه من الجهل وعدم التعقّل فيما لو خلعت جلباب عبوديّة الله تعالى، وأطاعت الشيطان، ويُؤمل أن تكفّ بهذا التذكير عن تمرّدها، وتنحو إلى الانصياع، وتصبح مؤهّلة لتلقّي فيض رحمة ربّها.

ثمّ بعد ملامة النفس ومؤاخذتها، يؤون أوان معاقبتها، لتتدارك بعض ما أفسدته، فقسِّم كلّ ما سجّلته في ذمّة النفس إلى قسمين:

1️⃣ فافرض عليها في ما يُمكن تداركه غرامة، كأن تقضي الصلاة المتروكة أو تعطي حقّ من ضيّعت حقّه.

2️⃣ أمّا في ما لا يُمكن تداركه بالغرامة فحدّد له عقوبة، وعاقب نفسك عليه كي لا تعود لمثله.
📑 المعنى الدقيق للمراقبة التي هي مفتاح الكمالات 📑

لا يخفى على أهل الاعتبار أنّ ديدن العوام من أهل الدّنيا هو الاحتجاب بها وبما فيها عن الله تعالى، بل حتّى عن العالم الآخر الذي هو العالم الأصيل ودار الحيوان...

وقد أرسل الله تعالى أنبياءه ورسله ليُنبّهوا الخلق الغافلين المحجوبين، ويُخبروهم عمّا وراء هذه الديار من عوالم الخلد ومنازل الخير والفضل والكرامة.

فهذه الكتب الإلهية وعلى رأسها القرآن الكريم مليئة بأمثال هذه التنبيهات والتحذيرات والموقظات... التي تدعو إلى عدم الاغترار بالدنيا والانخداع بها والتنبيه إلى الاهتمام بالآخرة، وإنّ استقصاء أمثال هذه الآيات يُخرجنا عن طور البحث، فمن شاء فليراجع.

ومع أنّ هذا المعنى قد يكون واضحاً بديهياً من الناحية النظرية الإجمالية لدى أكثر المتابعين، إلّا أنّ كلامنا في هذا البحث يدور حول السعي إلى دوام واستمرار الالتفات التفصيلي لهذا المعنى في أكثر أيام بل لحظات حياتنا.

وهذا المعنى هو ما يُعبّر عنه في كلمات أهل المعرفة بـ "المراقبة" وهو المرتبط أيضاً بـ "مقام الإحسان" الذي يدعو إلى عبادة الله تعالى مع الالتفات إليه.

وهو ما يُحوّل حياة الانسان من حياة منغمسة بالأمور الدنيوية الدنيّة مع تمسُّكٍ إجمالي بشعارٍ كلّي مفاده الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر والجنة والنار وغيرها.

إلى حياة تعبّدية واقعة في صراط العبوديّة، تجعلُ من كلّ محطّةٍ من المحطات الدنيوية بتفاصيلها الكبيرة والصغيرة مرقاةً للتكامل ومنبعاً للخير والفضل والكمال.

فمحطّةٌ مع "إنسان صالح" يفعل الخير بإرادته تراه بـ "عين الكثرة" فتشكره أو تشجّعه أو تعينه وتدافع عنه، وترى الله وراءه بـ "عين الوحدة" باسمه "النافع" أو "الرازق" أو "الكريم"... ناشراً الخير وباسطاً النفع بين الأنام ورازقاً خلقه بخلقه... فتحمده وتشكره.

ومحطّةٌ مع "إنسان طالح" يفعل الشرّ بإرادته تراه بـ "عين الكثرة" فتنهاه أو توقفه أو تصدّه وتواجهه وتحاربه، وترى الله وراءه وفوقه بـ "عين الوحدة" قوياً قاهراً قادراً مُسبّباً للأسباب... فهو -وإنْ أمكنه تكويناً عمّا نهاه عنه تشريعاً- قادرٌ على أن يصرف شرّه ويدفع ضرّه ويردّ كيده ومكره.

ومحطةٌ في أيام الدهر مع نفحاتٍ ينبغي التعرّض لها لا الإعراض عنها، ومع ساعاتٍ ينبغي اغتنام خصوصياتها واقتباس أنوارها...

ومحطةٌ في "البلاء" تستلزم منك الصبر لا الجزع، وفي "الرخاء" تستلزم منك الشُكر لا الجحود.

ومحطةٌ مع "المحتاج" تستلزم منك العطاء، ومع "المُستغيث" تستلزم الإعانة، ومع "الغني" تستلزم التعفف، ومع "الكبير" تستلزم الاحترام، ومع "الصغير" تستلزم العطف...

ومحطةٌ مع "الحوادث" تستلزم الاعتبار، ومع "المواعظ" تستلزم الانزجار، ومع "التجارب" تستلزم الاستفادة والتعلّم...

محطّات كالصناديق أو الكنوز تحوي كمالاً محصّلاً إن أحسنت فتحه، وكمالاً مفقوداً أو نقصاً حاصلاً إن أخفقت وفشلت في التعامل معه.

فمن أكثر الاستفادة من محطات حياته وتفاصيل عيشه وصغائر أموره وكبائرها، فأعطى كُلّاً منها حقّه من الفعل المناسب أو الترك الملائم، حاز مقام السبق إلى الكمالات والفوز بالأنوار والخيرات.

ومن ضيّع عمره في مراتع الغفلة والسهو واللهو، عابداً لصنم أناه، مطيعاً لأمر هواه لا مولاه، متردداً بين سفاهات الاعتبارات الشكليّة، ومتنقلاً بين تفاهات القواعد الدنيوية الوهمية، أخلد إلى أرض النقص والخُسران، وهوى من على شفا جُرُفٍ هارٍ انهار به في نار جهنّم.

أعاذنا الله تعالى من القصور والتقصير، ووفقنا لكل خير ونفع وكمال، بالنبي وآل صلّى الله عليه وآله، إنّه وهّابٌ حميدٌ فعالٌ لما يريد، والحمد لله رب العالمين.

⚠️ ملاحظة: المعاني الموجودة في الصورة المرفقة التي أردتها كمثال بسيط على ما ذكرت، مستفادةٌ من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام "في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال"، وهو ممّا لا اختلاف في حقّانيته ولا مجال لنقاش مضامينه وتحليلها أو معارضتها!!

#الانسان بين سيرِ عالم الكثرة والسير الأنفسي
◾️العنوان: أعظم مقامات سيّد الأوصياء عليه السلام
◾️المصدر: كتاب "الإمامة الإلهيّة – أمّ معارف الإمامة" للشيخ محمد السند حفظه الله تعالى ج 7

في الجزء السابع الذي صدر حديثاً من هذه الموسوعة القيّمة جداً ، وفي الباب الثاني "تراكم القصور المعرفي إزاء مقامات سيّد الأوصياء والأئمة من ولده عليهم السلام"، وبعد أن يدلي الشيخ بدلوه حول هذا الموضوع يخلص إلى خلاصات بالغة الأهميّة منها:

1️⃣ أنّ حجّيّة سيّد الأوصياء (ع) ممتدة إلى العوالم السابقة بامتداد حجّيّة سيّد الأنبياء (ص)، وهي معها لا تنفكّ عنها في العالم الأرضي، وفي طولها.

2️⃣ أنّ أعظم مقامات سيّد الأوصياء (ع) إنّما هو مقام {وَأَنْفُسَنَا} الوارد في آية المباهلة، ومقام "الأخوّة" الوارد في نصٍّ قطعي لا ريب فيه... ومقام "الولاية".

(يشرح الشيخ مستدلاً برواية الإمام الرضا (ع) بأنّ أكبر فضائل أمير المؤمنين (ع) هي كونه "نفس النبي (ص)" أي نفس حقيقته، ثمّ مقام "أخوّته" التي تعني الاشتقاق والتولّد عن حقيقة واحدة، ويربط ذلك بحديث المنزلة الذي يعتبر النبي (ص) فيه منزلة علي (ع) منه كمنزلة هارون من موسى (ع)، ويدعو إلى فهم خصوصيات تلك الأخوة من الآيات التي تتكلّم عن هارون (ع) في القرآن الكريم...)

3️⃣ أنّ ذروة الوراثة بين حجج الله تعالى إنّما هي وراثة الأرواح التي تفيض لهم بالعلم والتسديد.

4️⃣ سِعة حقيقة الإمامة الإلهيّة وامتدادها إلى العوالم السابقة.

5️⃣ أنّ الإمامة والوصيّة والوراثة ليست هي أعلى مقامات سيّد الأوصياء (ع)، على الرغم من عظيم منزلتها، وإنّما أعلاها وأعظمها مقام {وَأَنْفُسَنَا} ومقام "أنتَ أخي" وهو ما يُقرّر حقيقة "الاقتران" بين منازل أمير المؤمنين (ع) ومنازل سيّد الأنبياء (ص) لا كما شاع وارتكز في الأذهان من كون منازل أمير المؤمنين مرهونةً طرّاً بما بعد الزمن الأرضي لسيّد الأنبياء (ص)...

إلى غيرها من الخلاصات...
◾️العنوان: التدبّر في القرآن تدبّر في أخلاق النبي (ص)
◾️المصدر: كتاب "روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه" ج 19

يقول العلّامة محمد تقي المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) في إطار شرحه للحديث الشريف "أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ اَلْقُرْآنِ وَأَصْحَابُ اَللَّيْلِ":

"والذي وَجَدَ هذا الضعيف (يقصد نفسَه الشريفة رضوان الله تعالى عليه) في أزمنة الرياضات: إني كنتُ في مطالعة التفاسير إلى أنْ رأيتُ في ليلةٍ فيما بين النوم واليقظة سيّد المرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

فقلتُ في نفسي: تَدَبَّرْ في كمالاته وأخلاقه، فكلّما كنتُ أتدبّره يظهر لي عظمته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنواره بحيث ملأ الجو.

واستيقظتُ فألهمتُ بأنّ القرآن خُلُقُ سيّد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فينبغي أن أتدبّر فيه، فكلّما ازداد تدبّري في آيةٍ واحدةٍ كان يزداد الحقائق، إلى أن ورد عليَّ من العلوم ما لا تتناهى دفعةً واحدةً.

ففي كلِّ آيةٍ كنتُ أتدبّر فيها، كان يظهر مثل ذلك، ولا يمكن التصديق بهذا المعنى قبل الوقوع فإنه كالممتنع العادي، ولكنّ غرضي من ذكره الإرشاد للإخوان في الله"
◾️ العنوان: "وهل أنا شاعر؟!"
◾️ المصدر: قبسات من سيرة الإمام الخميني – الحياة الشخصية

✍️تقول السيّدة فاطمة الطباطبائي زوجة السيّد أحمد نجل الإمام:

كنتُ أقرأ أحد الكتب الفلسفية المقرّرة في الفرع الدراسي الذي كنتُ أدرس فيه، وكنتُ أسأل الإمام عن بعض العبارات الصعبة والغامضة في هذا الكتاب

وشيئاً فشيئاً تحوّل طرح هذه الأسئلة والحصول على أجوبتها إلى درس يستغرق 20 دقيقة، وفي صباح أحد الأيام دخلتُ على الإمام في هذا الدرس، فوجدته يحذّرني برباعيّة ساخرة يقول فيها:

"فاطمة تدرس الآن الفلسفة، وهي تعرف من الفلسفة الفاء واللام والسين!

أرجو أن تُحرّر نفسها بنور الله من حجاب الفلسفة!"

ولمّا رأيتُ هذه الرباعيّة طلبتُ منه أبياتاً أخرى، فكتب بعد أيّام هذه الأبيات:

"يا فاطمة يجب السير إلى الحبيب وهجران بيت النّفس.

كلّ علم تُشمُّ منه رائحة "الأنا" هو عفريتٌ يصدّ عن الصراط فيجب الحذر منه!"

ثم أثّرت فيه طلباتي الملحّة فقال بعد مدّة:

"يا فاطمة، ما أنتِ وحقّ المعرفة؟! وما معنى إدراك الذات بدون الصفات؟!

لن تصلي إلى الياء وأنتِ لم تعرفي الألف بعد، فما معنى "الهبة" لمن لم يبدأ السلوك بعد؟!"

وجرّأني على المزيد من الإصرار لطفه اللامحدود، لذلك كانت طلباتي تزداد باستمرار، حتى تجرّأت بأن أطلب منه إنشاد بعض الغزل العرفاني، فعاتبني قائلاً: "وهل أنا شاعر؟!"

لكنّني لم أكفّ عن الطلب والإصرار حتى سمعته بعد أيّام يقول:

"لن يُضيرك شيءٌ ما دُمتَ مع الحبيب، وما دام الحبيب حاضراً فلا محلّ للشكّ

أعْرِض عن كلّ شيء، واختره هو لا غير، لا موعظة فوق هاتين الكلمتين.

ما دُمتَ تحملُ اسماً فلن تصير عاشقاً، ولن تصير مجنوناً ما دام لك كلامٌ من عندك.

لن تذوق نشوة السكر وأنت واعٍ، غنِّ لنا ما دام في الكأس بقيّة"
◾️ العنوان: الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له يُنير القلب ويوسعه
◾️ المصدر: "زاد المسير" دروسٌ في شرح وبيان المواعظ البليغة التي ألقاها رسول الله (ص) على أبي ذر الغفاري للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (رض)

قال صلّى الله عليه وآله: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا دَخَلَ اَلنُّورُ اَلْقَلْبَ اِنْفَسَحَ اَلْقَلْبُ وَاِسْتَوْسَعَ.

قُلْتُ: فَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ؟

قَالَ: اَلْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ اَلْخُلُودِ، وَاَلتَّجَافِي عَنْ دَارِ اَلْغُرُورِ، وَاَلاِسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ"

فالقلوب في البداية تكون مظلمةً ثمّ يفيض الربّ المتعال عليها بنوره فتتلقى القلوب المستعدّة ذلك النور، فإذا استقرّ ذلك النور في القلب تزداد سعته ويتسع...

فالقلبُ يتّسع بالنور الإلهي وتزداد سعته، وليس المقصود من القلب ذلك العضو الصنوبري الموجود داخل الصدر، بل ما له تلك الماهية المعنوية، وما يكون محلّاً للإيمان الإدراك.

لعلّ المقصود من كلام النبي (ص) أنّ الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له يضيء مصباح روح الإنسان ويُبقيه مشتعلاً، وعلى أثر ذكر الموت تتنوّر روح الإنسان فلا تدع فطرته الصافية لتتلوّث بالمعاصي.

وعلى أثر ذلك النور، تتّسع ورح الإنسان كما عبّر النبي (ص) وتزداد، وهو الذي يكون بمعنى عبور آفاق الدنيا المحدودة والتوجّه إلى العالم الأبدي اللامتناهي.

وحيث إنّ إدراك مثل هذه الحالة بالنسبة لأبي ذر غير محسوس، لأنّ هذا الأمر ليس ممّا يُمكن إدراكه بالحواس، يسأل النبي (ص) عن علامات اتّساع القلب فيُجيبه النبي الأكرم ببيان ثلاث علامات:

1️⃣ "اَلْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ اَلْخُلُودِ" وهو بمعنى الميل والشوق إلى الآخرة...

2️⃣ "وَاَلتَّجَافِي عَنْ دَارِ اَلْغُرُورِ" ... بمعنى الابتعاد عن الدنيا الفانية، فحين يتوجّه المؤمن إلى عالم الآخرة الأبديّ، ويضيق صدره بعالم الدنيا الماديّ، فإنّه يُبعد نفسه عن الدنيا ويتجافى عنها، فالتجافي عن الدّنيا تصفية لباطنه من التعلّق بها والترفّع عنها...

3️⃣ "وَاَلاِسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ" ... فحين يُعرض الانسان عند الدنيا ويتوجّه إلى الآخرة، فإنّ عليه أن يكون مستعداً دوماً للالتحاق بالدار الآخرة، والوصول إلى الهدف المطلوب، لأنّه يعلم أنّه لم يُخلق لهذه الدنيا، وأنّ الدنيا ليست سوى جسر للعبور إلى الحياة الباقية...
◾️ العنوان: كتابٌ من الحجّة (عج)

ينقل العلّامة محمد تقي المجلسي (رض) هذه القصة التي تُبيّن عظمة وأهمية كتاب "الصحيفة السجّادية" فيقول ما مختصره:

إني كنت في أوائل البلوغ طالباً لمرضاة الله، ساعياً في طلب رضاه، ولم يكن لي قرار إلّا بذكر الله تعالى، إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أنّ صاحب الزمان -صلوات الله عليه- كان واقفاً في الجامع القديم بأصبهان...

فسلّمتُ عليه وأردتُ أن أقبّل رجله، فلم يدعني وأخذني، فقبلت يده، وسألت عنه مسائل قد أشكلت عليَّ...

ثم قلتُ: يا مولاي لا يتيسّر لي أن أصِلَ إلى خدمتك كلّ وقت، فأعطني كتاباً أعملُ عليه دائما؟

فقال عليه السلام: أعطيتُ لأجلك كتاباً إلى مولانا محمد التاج، وكنتُ أعرفه في النوم، فقال عليه السلام: رح وخذ منه

فخرجتُ من باب المسجد الذي كان مقابلاً لوجهه (ع) إلى جانب دار البطيخ -محلة من إصبهان- فلما وصلتُ إلى ذلك الشخص فلمّا رآني قال لي: بعثك الصاحب عليه السلام إلي؟ قلت : نعم

فأخرج من جيبه كتاباً قديماً، فلمّا فتحته ظهر لي أنّه كتاب الدعاء، فقبلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجهاً إلى الصاحب (ع) فانتبهتُ ولم يكن معي ذلك الكتاب.

فشرعت في التضرع والبكاء والحوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر، فلمّا فرغتُ من الصلاة والتعقيب، وكان في بالي أن مولانا محمد هو الشيخ، وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء.

فلما جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلاً بمقابلة الصحيفة... فجلستُ ساعةً حتى فرغ منه، والظاهر أنه كان في سند الصحيفة، لكن للغمِّ الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم

وكنت أبكي، فذهبت إلى الشيخ وقلتُ له رؤياي وأنا أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الإلهية والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائماً...

فلم يسكن قلبي، وخرجتُ باكياً متفكراّ إلى أن أُلقي في روعي أن أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلمّا وصلتُ... رأيت رجلا صالحاً اسمه "آغا حسن" وكان يلقب بـ "تاجا"

فلمّا وصلتُ إليه وسلّمتُ عليه قال: يا فلان الكتب الوقفية التي عندي كلّ من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنتَ تعمل به، تعالَ وانظر إلى هذه الكتب، وكلّما تحتاج إليه خذه

فذهبت معه إلى بيت كتبه، فأعطاني أوّل ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في البكاء والنحيب، وقلت: يكفيني.

وليس في بالي أني ذكرت له النوم (المنام) أم لا، وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد، وكتب الشهيد نسختها من نسخة عميد الرؤساء وابن السكون، وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها.

وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب (عج) مكتوبة من خط الشهيد، وكانت موافقة غاية الموافقة حتى في النسخ التي كانت مكتوبة على هامشها.

وبعد أن فرغتُ من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي، وببركة إعطاء الحجة (ع) صارت "الصحيفة الكاملة" في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت، وسيما في إصبهان.

فإنّ أكثر الناس لهم الصحيفة المتعددة، وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء ، وكثير منهم مستجابو الدعوة.

وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر (ع) والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، والحمد لله رب العالمين.
2024/06/30 21:53:54
Back to Top
HTML Embed Code: